«الله يخلي مركز سلمان، وفّر لنا كل شيء واغتنينا من الدعم الإنساني الذي يقدمه لنا» قالها ساخرا أحد القياديين الحوثيين في صنعاء وكيف أنهم يتلقون الدعم الإنساني من مركز «الملك سلمان» ويستخدمونه لصالح إثراء قياداتهم وتمويل جبهات قتالهم.
وكشف هذا القيادي الحوثي لأحد مصادر «القدس العربي» في صنعاء ان المساعدات والمعونات الإنسانية التي تصل اليهم سواء من مركز الملك سلمان عبر منظمات الأمم المتحدة أو من بقية المنظمات الإنسانية يتم توزيعها حصريا عبر منظمات محلية تابعة لجماعة الحوثي أو موالية لهم كشرط أساسي مقابل تسهيل عمل هذه المنظمات الدولية داخل العاصمة صنعاء وفي بقية المحافظات والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
وأشار إلى أن أغلب هذه المساعدات الإنسانية تذهب إلى جيوب النافذين في الجماعة والتي كانت سببا في إثراء الكثير منهم خلال فترة الحرب، عبر بيعهم للكثير من المساعدات العينية في السوق السوداء، وتحويل البعض الآخر منها إلى جبهات القتال أو بيعها لدعم المقاتلين الحوثيين فيها، تحت غطاء دعم (المجهود الحربي) للحوثيين.
محللون اقتصاديون أكدوا لـ«القدس العربي» أن سيطرة الانقلابيين الحوثيين على ميناء الحديدة، الذي يعتبر الشريان الرئيسي لإمداد العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات الشمالية والوسطى بالمواد الغذائية والتموينية كان السبب الرئيسي وراء تفشي المجاعة في محافظة الحديدة أولا، ثم اتساع دائرة الفقر وانعدام المواد الغذائية في بقية المحافظات اليمنية التي تعتمد على ميناء الحديدة في الاستيراد.
وأوضحوا أن «هذا الحال خلق وضعا إنسانيا كارثيا بدءا بمحافظة الحديدة، التي تعتبر مصدرا لأهم الموارد المالية للحوثيين، مرورا بمحافظة تعز التي تعاني من الحصار الحوثي منذ أكثر من 20 شهرا، بالإضافة إلى العاصمة صنعاء التي لا تتورع الميليشيا الحوثية في تبديد المساعدات الحوثية في غير الأهداف التي خصصت لها».
وذكروا أن «المنظمات الدولية وفي مقدمتها وكالات الأمم المتحدة بصنعاء تتواطأ مع الحوثيين عبر تسليمهم للمساعدات الإنسانية التي تصل إليها، والتي توزع غالبا على القيادات الحوثية عبر لافتات مختلفة، سواء منظمات محلية موالية لها أو غيرها، والتي تقوم بدورها في بيع هذه المساعدات الإنسانية في السوق السوداء فيما يحرم السكان والمحتاجين منها». وأشاروا إلى ان العاصمة صنعاء تشهد وفرة في المواد الغذائية وبأسعار أقل من سعرها الحقيقي، نظرا لأن مصدر أغلب هذه المواد الغذائية من المساعدات الإنسانية والتي تباع في السوق السوداء بأقل من سعرها الحقيقي.
المشكلة الإنسانية الكارثية في صنعاء تكمن في أزمة السيولة النقدية من العملة المحلية التي انعدمت من الأسواق بسبب إفلاس البنك المركزي فيها، إثر السياسات الاقتصادية العشوائية للحوثيين، والتي تعذّر معها تسليم الرواتب لموظفي القطاع العام منذ عدة شهور، والتي تسببت أيضا في إفلاس العديد من تجار الطبقة الوسطى، وانتشار الاختلالات الأمنية وبروز ظاهرة عمليات النهب والسلب للمحلات التجارية والتجار أثناء خروجهم من البنوك ومن محلات الصرافة لنهب ما لديهم من سيولة مالية.
وإذا كان هذا الحال في العاصمة صنعاء التي تقع تحت سيطرة الانقلابيين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي صالح، والتي يفترض ان تكون النموذج الأفضل في رفاه السكان واستقرارهم اقتصاديا، فما بالكم بالمحافظات الأخرى التي تعاني الأمرين جراء الحصار المباشر وغير المباشر من قبل الميليشيا الانقلابية، كما هو حال محافظة تعز والحديدة الأوضح حالا، بالإضافة إلى غيرهما من المحافظات الأكثر تأثرا من الحرب الراهنة في اليمن. تقول العديد من المصادر المحلية أن أغلب سكان محافظة الحديدة، غربي اليمن، يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية وفي مصادر الدخل، إثر توقف الأعمال وافلاس الشركات وانعدام الفرص الوظيفية وكذا انعدام مصادر الدخل للسكان وخاصة ذوي الدخل المحدود وأصحاب المهن التقليدية. وقالت ان هذه الأسباب كانت وراء تفشي ظاهرة المجاعة في العديد من المناطق الريفية في محافظة الحديدة واتساع دائرة مخاطرها يوما بعد آخر، حتى أصبحت توصف بـ (المحافظة المنكوبة) رُغم أنها مصدر الدخل الرئيسي للميليشيا الانقلابية، من ميناء الحديدة الأكبر في غرب وشمال اليمن.
وأمّا محافظة تعز، وسط اليمن، فإنها النموذج الأكثر سوءا في الوضع الإنساني الصعب بسبب محاصرة الانقلابيين الحوثيين لها منذ أكثر من 20 شهرا، حيث يغلقون كافة الطرق والمداخل إلى هذه المدينة التي باتت توصف بـ (المدينة المحاصرة)، ورغم ذلك يصر سكانها على الصمود على البقاء والعيش داخلها رغم شحة الإمكانيات وندرة المواد الغذائية والتموينية وانعدام الخدمات الطبية والخدمات العامة بشكل عام، حيث لا خيار آخر لسكانها ولا وجهة أخرى يشعرون بالاطمئنان في الانتقال إليها، في ظل التحريض الحوثي ضد أبناء محافظة تعز في كل مكان، إثر وقوف أبناءها في وجه ميليشيا الحوثي ومنعهم من السيطرة على مدينة تعز.
قد تكون محافظة عدن أفضل حالا من غيرها من المحافظات بحكم أنها تقع تحت سيطرة الدولة، ولكن أزمة السيولة المالية وتأخر صرف الرواتب لموظفي القطاع العام ألقت بظلالها حتى على سكان محافظة عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة لها، إثر ارتباط رواتب القطاع العام بالبنك المركزي الذي تسيطر عليه ميليشيا الحوثيين في العاصمة صنعاء إلى قبل وقت قصير. وتشير تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى إلى أن الوضع الإنساني كارثي في اليمن إثر استمرار عمليات الاقتتال الداخلي منذ أكثر من سنتين، والتي تسببت في سقوط الآلاف من القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى من مختلف الأطراف المتقاتلة المنضوية تحت مظلة الانقلابيين الحوثيين والرئيس السابق علي صالح من جهة وتحت مظلة الحكومة الشرعية من جهة أخرى، بالإضافة إلى تسببها في عمليات نزوح داخلي كبيرة وهجرة خارجية وتوقف الحياة الاقتصادية إلى حد كبير.
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) لمنظمات الأمم المتحدة العاملة في اليمن في أحدث تقرير له تلقت «القدس العربي» نسخة منه «ان أكثر من 18 مليون و800 ألف يمني بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية أو إلى الحماية العاجلة من أصل 27 مليون ونصف، بينهم أكثر من 10 مليون يفتقرون إلى الاحتياجات الحادة».
وأوضح أنه مع التصعيد المستمر للقتال في اليمن تزداد الأزمة الإنسانية حِدّة وتزداد حالة المخاطر على حياة الكثير من اليمنيين الذين يصبحون عُرضة للمخاطر وبحاجة ماسة للحماية والأمان والى الحقوق الأساسية في الحياة. ووصفت منظمات الأمم المتحدة الوضع الإنساني في اليمن بـ (الوضع الكارثي).

الوضع الإنساني في اليمن كارثي السكان يتضوّرون جوعا والميليشيا تبيع المساعدات لتمويل جبهات القتال

(مندب برس - القدس العربي )